كارلو أنشيلوتي (غيتي)
في ريال مدريد، يبدو أن سياسة إنكار الواقع باتت قاعدة ثابتة. لا توجد عبارة تعبّر عن ما حدث على أرضية ملعب “سانتياغو برنابيو” في ليلة الإقصاء الأوروبي أكثر من تلك. أمام آرسنال الشجاع والمتمرد، ظهر ريال مدريد عارياً تمامًا، تحت قيادة أنشيلوتي الذي أصرّ على خياراته المعتادة رغم كل المؤشرات، فأعاد الثقة مجددًا في ألابا ولوكاس فاسكيز في مركزي الظهيرين.
آرسنال، بأداء جماعي مبهر، هيمن على المباراة في واحد من أعظم ملاعب أوروبا، وكشف بكل وضوح هشاشة الفريق الملكي. العيوب التي كانت كامنة منذ سبتمبر الماضي أصبحت اليوم صارخة، وتراكمات الأخطاء باتت عبئاً على الطاقم الفني واللاعبين على حد سواء.
الخروج من دوري الأبطال أمام آرسنال بنتيجة إجمالية (5-1) يمثّل لحظة فاصلة في موسم متذبذب لريال مدريد، حيث لم يتمكن أنشيلوتي من إيجاد التوليفة المناسبة. وعلى الرغم من فترات الانتعاش المحدودة، إلا أن الأداء العام ظل باهتًا، وظهر ذلك منذ دور المجموعات، ثم في أدوار خروج المغلوب حتى السقوط المدوي في ربع النهائي.
أنشيلوتي لم يخفِ خيبة الأمل بعد اللقاء، حيث صرّح: “افتقدنا هذا الموسم للروح الجماعية”. ومع تضاؤل فرص بقائه، أكد: “حين أرحل، سأكتفي بتوجيه الشكر للنادي”. لكن النقد هذه المرة لم يطال المدرب وحده، بل امتد إلى معظم اللاعبين، وعلى رأسهم الثلاثي الهجومي: مبابي (الذي غادر مصابًا)، فينيسيوس ورودريغو (الذي تم استبداله بإيندريك).
مع غياب كروس وتغيير مركز بيلينغهام إلى وسط الملعب، تحمّل اللاعب الإنجليزي مسؤوليات دفاعية إضافية، ما قلّص من خطورته الهجومية. فرغم إمكانياته البدنية والمهارية، لم يستطع تعويض الفراغ الذي خلفه غياب كروس في تنظيم اللعب، وبات واضحًا أن بيلينغهام ليس ممررًا حاسمًا لمبابي أو فينيسيوس أو رودريغو، على عكس مودريتش (الذي يقترب من عامه الأربعين) أو سيبايوس.
الخط الخلفي للريال شكّل نقطة ضعف كارثية. في غياب ميليتاو، افتقد الفريق للتماسك الدفاعي، واستقبل ثلاثة أهداف ذهابًا وهدفين إيابًا أمام آرسنال. ورغم بروز أسينسيو وأداء روديغر الصلب، إلا أن غياب القادة في قلب الدفاع ظهر بوضوح.
الأزمة الأكبر كانت في الأظهرة. إصابة ميندي وكارفاخال أجبرت أنشيلوتي على الاعتماد على ألابا ولوكاس، وهما لم يقدما الإضافة المرجوة. بل اضطر المدرب في مرات عديدة إلى تجربة فالفيردي وكامافينغا في هذا المركز، في ظل انعدام الثقة بفران غارسيا. الترقب الآن ينصب على عودة كارفاخال المرتقبة، وكذلك قدوم ألكسندر أرنولد، لكن المشكلة تبدو أعمق.
مبابي، الذي أتى من أجل المباريات الكبرى، غادر المباراة الأخيرة مصابًا بعد أداء باهت. أما فينيسيوس ورودريغو، فبعيدان جدًا عن مستواهما في الموسم الماضي. وبينما يتأرجح بيلينغهام بين أدوار غير واضحة، فشل الرباعي الهجومي في الانسجام على مدار الموسم.
وحتى في غياب الأسماء، برزت معاناة الفريق أمام الكثافة الدفاعية واعتماده المفرط على الكرات العرضية. الحارس كورتوا قالها بصراحة: “هذا العام لا نملك لاعبًا مثل خوسيلو”، في إشارة إلى افتقاد مهاجم قادر على الفوز بالكرات الهوائية داخل المنطقة.
الإقصاء الأوروبي كشف الواقع المؤلم لريال مدريد. مشاكل متراكمة، مدرب في مهب الريح، نجوم بعيدون عن مستواهم، وخيارات فنية تفتقر للحلول. ما بعد آرسنال لن يكون كما قبله، وريال مدريد يقف على أعتاب مراجعة شاملة قبل أن يفقد الموسم بأكمله.