مهاجم ليفربول محمد صلاح (غيتي)
منذ 343 يومًا، وقف يورغن كلوب في دائرة منتصف ملعب أنفيلد وألقى خطاب وداع مليء بالعاطفة.
قال ليطمئن جماهير ليفربول القلقة بشأن المستقبل من دونه: “لا يبدو الأمر وكأنه نهاية، بل كأنه بداية فقط.”
وأضاف: “التغيير أمر جيد. إذا كنت تذهب إليه بعقلية صحيحة، فكل شيء سيكون على ما يرام. الأساس الصحيح موجود بنسبة 100%.”
في ذلك الوقت، بدت كلماته متفائلة إلى حد كبير. لكنها في الواقع كانت نبوءة رائعة.
ليفربول الآن أبطال إنجلترا للمرة العشرين، ليتساووا مع مانشستر يونايتد كأكثر الفرق نجاحًا في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، وأرني سوت دخل بسرعة إلى قائمة عظماء أنفيلد بعد أن قاد الفريق نحو هذا الإنجاز المذهل.
فوزهم الكبير 5-1 على توتنهام هوتسبير يوم الأحد حسم لقب الدوري الإنجليزي قبل أربع جولات من النهاية، لتنفجر مشاهد الفرح في كل مكان.
آرني سلوت أصبح ثالث مدرب في تاريخ ليفربول يحقق اللقب في موسمه الأول، بعد جو فاجان (1983-1984) وكيني دالغليش (1985-1986)، كما أنه أول مدرب يحقق لقب الدوري في موسمه الأول بالبريميرليغ منذ أنطونيو كونتي مع تشيلسي في (2016-2017).
المدرب الهولندي الهادئ فاق كل التوقعات منذ قدومه من فينورد الصيف الماضي. صحيح أنه ورث فريقًا موهوبًا، لكن الطريقة التي طوّر بها هذا الفريق من خلال ذكائه التكتيكي وإدارته المميزة للاعبين كانت مذهلة.
ويُحسب أيضًا لمدير الكرة، ريتشارد هيوز، الذي قاد مهمة البحث عن خليفة لكلوب قبل عام، وكان مقتنعًا أن ما قدمه سلوت في هولندا يجعله الرجل المناسب. وقتها بدا الأمر مخاطرة، لكنه أصبح خطوة عبقرية.
وبعيدًا عن إخفاقات المنافسين، فإن فريق سلوت ببساطة وضع معايير لم يستطع أحد الاقتراب منها طوال التسعة أشهر الماضية.
ليفربول تصدّر الدوري منذ نوفمبر، وسلسلة من 26 مباراة دون هزيمة حطمت منافسيهم. ومع خسارتين فقط في 34 مباراة، كان تتويجهم مسألة وقت لا أكثر.
هناك الكثير مما يستحق الإعجاب: من تألق محمد صلاح في المقدمة — والذي احتفل بهدفه يوم الأحد بالتقاط سيلفي مع هاتف أحد المشجعين وأشار إلى تحقيقه لقبه الثاني في الدوري — إلى قيادة فيرجيل فان دايك في الدفاع، وكل ذلك كان مدعومًا بأخلاقيات عمل لا تعرف الكلل.
مشاعر النشوة داخل أنفيلد يوم الأحد تضاعفت لأن الكثير من الحاضرين انتظروا هذا اليوم طوال حياتهم.
هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها ليفربول لقب الدوري أمام جماهيره منذ 1990، بعد أن اضطروا للاحتفال خلف الأبواب المغلقة عندما كسر فريق كلوب صيام الثلاثين عامًا في موسم (2019-2020).
ومنذ تعادل أرسنال مع كريستال بالاس في منتصف الأسبوع، كان الترقب يسيطر على أجواء ميرسيسايد. الباعة في الشوارع كانوا يبيعون منتجات “أبطال إنجلترا” بسرعة كبيرة.
قبل ساعات من صافرة البداية، كانت طريق أنفيلد ممتلئة عن آخرها بالجماهير التي جاءت لتحية أبطالها في أجواء ربيعية مشمسة.
وعندما وصل حافلة الفريق أخيرًا إلى الملعب، خرجت وسط سحب كثيفة من الدخان الأحمر الناتج عن الشماريخ. الصخب كان هائلًا، وكان ذلك مقدمة ليوم لا يُنسى، إذ لم ينخفض مستوى الضجيج داخل أنفيلد طوال المباراة.
“الآن ستصدقون، سنفوز بالدوري.” وكل ترديد كان أعلى من سابقه.
غنت الجماهير أغنية “لن تسير وحدك أبدًا” بشكل يهزّ القلوب، وظهرت لافتة جديدة في المدرج الشمالي الشهير “ذا كوب”، كُتب عليها: “لطالما كانت ليفربول”، إشارة إلى كلمات فان دايك عند تجديد عقده.
سلوت بدا مرتاحًا وهو واقف في منطقته الفنية، لكن توتنهام سبّب له بعض القلق مبكرًا.
فقد نفذ جيمس ماديسون ركنية خطيرة، واستغل دومينيك سولانكي، مهاجم ليفربول السابق، ضعف الرقابة ليُسجل هدفًا مبكرًا بعد 12 دقيقة فقط.
لكن الرد جاء سريعًا. خلال أربع دقائق، عادل ليفربول النتيجة بتعاون صلاح وسوبوسلاي الذي منح دياز تمريرة للتسجيل. رُفعت راية التسلل أولًا، لكن الـفار أكدت صحته، وانفجر أنفيلد بالفرح.
دياز لقي تحية من جميع جوانب الملعب، وبعدها جاء الدور على أليكسيس ماك أليستر الذي سدد قذيفة من 20 ياردة لم يستطع الحارس فيكاريو التصدي لها.
وجاء الهدف الثالث قبل نهاية الشوط الأول عن طريق كودي جاكبو، الذي استغل ارتباك دفاع توتنهام بعد ركلة ركنية، وسجل بمهارة في الزاوية الأرضية.
خلع جاكبو قميصه واحتفل على طريقه كاكا ليظهر عبارة “أنا أنتمي إلى يسوع”، واحتفل سلوت بعنف مع طاقمه الفني.
الشوط الثاني، تمامًا كسباق اللقب، تحول إلى استعراض، وسط هتافات لا تتوقف باسم سلوت.
سجل صلاح الهدف الرابع، ثم أخذ هاتف أحد المشجعين ليلتقط صورة سيلفي مع الجماهير. بهذا الهدف، تجاوز النجم المصري عدد أهداف سيرجيو أغويرو في البريميرليغ (185 هدفًا)، ليصبح خامس هدّاف في تاريخ الدوري.
ثم سجّل أودوجي بالخطأ في مرماه، ليصبح الهدف الخامس، وتناثرت البالونات الحمراء في المدرجات، ومعها ترددت هتافات “أبطال”.
بدأت احتفالات ليفربول باللقب، الذي أنهى سلسلة مانشستر سيتي التاريخية من أربعة ألقاب متتالية، ومع بقاء شهر على تسليم الكأس، فإن الاحتفال لن يتوقف قريبًا.