دين هويسن (غيتي)
أكمل نادي ريال مدريد أولى صفقاته الكبرى في سوق الانتقالات الصيفي بالتعاقد مع المدافع الشاب دين هويسن من نادي بورنموث الإنجليزي، في صفقة بلغت قيمتها 50 مليون جنيه إسترليني، بعقد يمتد حتى صيف عام 2030. ومن المقرر أن يتمكن اللاعب البالغ من العمر 20 عامًا من خوض أولى مبارياته بقميص النادي الملكي الشهر المقبل خلال منافسات كأس العالم للأندية بنسخته الموسعة.
ويُعد دين هويسن من أكثر المواهب الدفاعية الشابة إثارة للاهتمام في أوروبا حاليًا، وتمثل هذه الصفقة تتويجًا لصعوده السريع والمذهل في عالم كرة القدم.
فكيف وصل الشاب إلى هذه النقطة، وما الذي يجعله بهذه القيمة الكبيرة؟ إليك ما يجب معرفته عن اللاعب الذي تضاعفت قيمته السوقية أكثر من ثلاث مرات خلال عام واحد فقط.
وُلد هويسن في أمستردام، بهولندا، عام 2005، وانتقل مع عائلته إلى مدينة ملقا في جنوب إسبانيا عندما كان في سن الخامسة. انضم إلى أكاديمية ملقا في عام 2015، قبل أن يغادرها في عام 2021 وهو في السادسة عشرة من عمره للالتحاق بصفوف يوفنتوس الإيطالي.
مثل دين هويسن منتخب هولندا في الفئات السنية، بل وكان قائدًا لمنتخب تحت 19 عامًا، لكن جهود الاتحاد الإسباني لكرة القدم، إضافة إلى نشأته في إسبانيا، دفعتاه لتغيير ولائه الدولي العام الماضي. وفي أوائل عام 2024، حصل هويسن على الجنسية الإسبانية، وبدأ تمثيل منتخب إسبانيا تحت 21 عامًا.
في يوليو 2024، انتقل إلى نادي بورنموث قادمًا من يوفنتوس في صفقة بلغت 15 مليون يورو (12.6 مليون جنيه إسترليني)، إضافة إلى مكافآت متغيرة تصل إلى 3 ملايين يورو. وخلال موسم 2024-2025، وهو أول مواسمه الكاملة على مستوى الفريق الأول، كان من أبرز لاعبي الفريق الإنجليزي، حيث شارك في 34 مباراة بجميع المسابقات، وسجل ثلاثة أهداف، وتم ترشحيه لجائزة العام لأفضل لاعب شاب بالبريميرليغ.
وفي مارس من العام ذاته، تلقى هويسن أول استدعاء لمنتخب إسبانيا الأول، وقال في مقابلة حصرية مع “ذا أتلتيك” البريطانية آنذاك: “أشعر أنني إسباني، إسبانيا هي وطني”. وبعد أيام فقط، خاض أولى مبارياته الدولية أمام منتخب هولندا في ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية، في مشهد لافت يجسد تحوّله الدولي.
دين هويسن مدافع عصري يتمتع بقدرات فنية عالية، إذ يستطيع اللعب بالقدمين بكل أريحية، ويجيد الخروج بالكرة تحت الضغط، ويملك شجاعة كبيرة في التقدم إلى وسط الملعب وصناعة اللعب. وقد شكّل عنصرًا أساسيًا في أسلوب اللعب الهجومي والمنظم الذي ينتهجه المدرب أندوني إراولا في بورنموث.
يعتمد أسلوبه على مزيج فريد من القوة البدنية والهدوء الفني في امتلاك الكرة. فكما يتقن الدخول في التحامات دفاعية صلبة، يتمتع كذلك بمرونة في التقدم بالكرة وتوزيعها بدقة. يتميز كذلك بقدرة كبيرة على تجاوز الخط الأول من الضغط، وهو ما يجعله مثالًا للمُدافع العصري المثالي.
وفي تصريح سابق لإراولا هذا الموسم، قال عند سؤاله عن أفضل صفات هويسن:
“عقليته… طريقته في التفكير. إنه واثق من نفسه، لا يخشى مراقبة أي مهاجم، ويهدأ تمامًا عندما تكون الكرة بحوزته. بالطبع قد يرتكب أخطاء كغيره، لكن ما يفعله دائمًا له سبب منطقي. ومن النادر أن تجد هذا الهدوء لدى لاعب في سن الـ19 (وقد بلغ العشرين في أبريل)”.
وقد ظهر هذا التماسك بوضوح عندما خاض أولى مبارياته الدولية أمام بلده الأم، حيث حافظ على ثباته رغم صافرات الاستهجان في ملعب هولندا، وقدم أداءً جيدًا في تعادل 2-2 في الذهاب. وفي مباراة الإياب في إسبانيا، كان أكثر تألقًا، وقدم تمريرة حاسمة إلى لامين يامال في تعادل 3-3، قبل أن يفوز الإسبان بركلات الترجيح 5-4.
وقال لويس دي لا فوينتي مدرب المنتخب الإسباني بعد المباراة:
“دين هويسين خبر سار آخر لكرة القدم الإسبانية. يبدو وكأنه يلعب على أعلى مستوى منذ سنوات طويلة”.
وبالفعل، بدأت أندية كبرى تُبدي اهتمامها. ففي أبريل، ذكرت “ذا أتلتيك” أن ليفربول أبدى اهتمامًا جادًا بالتعاقد معه، في حين دخلت أندية أخرى مثل تشيلسي، آرسنال، نيوكاسل، وتوتنهام على الخط.
ولكن هويسن كان قد صرح في مارس بأن سيرجيو راموس هو قدوته، وأضاف أنه “فخور” بارتباط اسمه بريال مدريد. وها هو الآن يحقق حلمه بالانضمام إلى سانتياغو برنابيو.
في الأشهر الأخيرة، أبدى مقربون من هويسن أنه يُفضّل الانتقال إلى ريال مدريد. وقد أقر اللاعب نفسه في مقابلات صحفية بأن اهتمام نادٍ بحجم ريال مدريد به هو “مصدر فخر”.
ورغم أن النادي كان يتابعه منذ فترة، إلا أن اهتمامه تعزّز هذا الموسم، خاصة بعد سلسلة نتائج سلبية، كان أبرزها الخسارة 4-3 أمام برشلونة في 11 مايو، والتي أنهت فعليًا آمال الفريق في الحفاظ على لقب الدوري الإسباني.
بعد أن كشفت تقارير مختلفة أن ريال مدريد وافق على دفع الشرط الجزائي البالغ 50 مليون جنيه إسترليني، سافر ممثلو اللاعب إلى العاصمة الإسبانية يوم الخميس لاستكمال التفاصيل الشخصية في العقد.
ويُعتبر هذا الانتقال حيويًا للريال على المدى القصير والطويل. فمع غياب كل قلوب الدفاع في الفريق بسبب الإصابة، باستثناء راؤول أسينسيو (الذي يواجه اتهامات جنائية في قضية تتعلق بمقطع جنسي لقاصر)، يعاني الفريق من أزمة دفاعية حادة.
إيدير ميليتاو يتعافى من إصابته الثانية في الرباط الصليبي خلال موسمين، بينما خضع كل من أنطونيو روديغر ودافيد ألابا لجراحات في الركبة.
لهذا السبب، كان من الضروري إغلاق صفقة دين هويسن قبل بداية كأس العالم للأندية بنسخته الجديدة في الولايات المتحدة، وهو بطولة توليها الإدارة أهمية كبرى.
لكن ما بعد البطولة مهم أيضًا، فريال مدريد يرى في هويسن مشروع نجم دفاعي للمستقبل، بشخصية قوية ومهارات فنية كبيرة.
كان هويسن أحد أبرز رموز مشروع الشباب الجديد في يوفنتوس. فقد تم التعاقد معه في عام 2021 للانضمام إلى فريق تحت 23 عامًا، والذي ينافس في الدرجة الثالثة الإيطالية.
أطلق هذا المشروع المدير الرياضي السابق فابيو باراتيتشي وفريقه، وكان نجاحًا كبيرًا، حيث تخرّج منه لاعبون مثل كينان يلدز، ماتيوس سوليه، صامويل إيلينغ-جونيور، وإنزو بارينيشيا، بالإضافة إلى هويسن.
نال ثقة المدرب ماسيميليانو أليغري، الذي منحه فرصة الظهور لأول مرة مع الفريق الأول أمام ميلان في أكتوبر 2023 في ملعب سان سيرو، في مباراة كان اليوفي متقدمًا فيها 1-0 قبل 12 دقيقة من النهاية.
لاحقًا، أُعير إلى روما، حيث وصفه المدرب آنذاك جوزيه مورينيو بأنه “أحد أبرز المواهب الأوروبية في مركزه”. وكان المدير الرياضي الذي ضمه إلى روما، تياغو بينتو، قد انتقل لاحقًا إلى بورنموث، ونجح في إقناعه بالالتحاق به هناك، في صفقة وُصفت بأنها ضربة عبقرية.
وفي صيف 2024، قرر يوفنتوس التضحية به ضمن خطة إعادة هيكلة يقودها المدرب الجديد تياغو موتا. ولتمويل صفقات بقيمة تجاوزت 200 مليون يورو، قرر المدير الرياضي كريستيانو جيونتولي بيع كل من سوليه، إيلينغ-جونيور، بارينيشيا، وهويسن لتحقيق أرباح مباشرة.
لكن هذا التوجه قوبل لاحقًا بانتقادات كبيرة، خاصة أن جيونتولي لم يحصل إلا على 10% من أرباح إعادة بيع هويسن. وزادت الانتقادات بعد أن استبدل اللاعب بـلويد كيلي، الذي كثرت أخطاؤه الدفاعية.