من الدفاع الحديدي إلى الابتكار الجريء.. إنتر اللغز الذي يصعب فك شفرته

هناك مواسم تُهيمن فيها أندية من بلد واحد على نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وأحيانًا يتأهل أكثر من نادٍ من نفس المدينة. لكن نسخة 2024-2025 تبدو أقرب لما يُفترض أن تكون عليه البطولة الأوروبية الأعرق.
الخمسة مباريات المتبقية ستُلعب في إنجلترا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا وألمانيا. أرسنال، باريس سان جيرمان، برشلونة وإنتر ميلان سيستضيفون مباريات نصف النهائي، فيما سيحتضن ملعب ميونخ النهائي، لكن آمال الجماهير المحلية في رؤية بايرن ميونخ يخوض النهائي على أرضه – كما حدث عام 2012 – تبددت بعد الهزيمة أمام إنتر بمجموع 4-3 في ربع النهائي.
وبين الفرق المتبقية، هناك تداخل واضح بين الدول: فالأندية الإنجليزية والفرنسية يقودها مدربون إسبان، بينما يدرب النادي الإسباني مدرب ألماني. لكن إنتر ميلان يبدو أكثر تمثيلاً لهوية بلده، مع مدرب إيطالي محلي، سيموني إنزاغي، وستة لاعبين من التشكيلة الأساسية في لقاء بايرن وُلدوا في إيطاليا.
ورغم أن مكاتب المراهنات تعتبر إنتر ميلان الأضعف بين الفرق الأربعة، فإن أسلوب لعبه المختلف قد يمنحه أفضلية غير متوقعة، لأنه ببساطة فريق مختلف.
ضد بايرن، اعتمد إنتر على الدفاع العميق لفترات طويلة، مع تدخلات بطولية في اللحظات الأخيرة. وفي الدوري الإيطالي هذا الموسم، يمتلك الفريق أعلى نسبة نجاح في الكرات الهوائية (59%)، متفوقًا بأكثر من 3% على أقرب منافسيه في البطولات الكبرى – وهو بايرن نفسه. كما سجل هدفي الإياب أمام بايرن من كرات ثابتة.
ويُعد إنتر ميلان الفريق الكبير الوحيد في أوروبا الذي يعتمد على خطة بثلاثة مدافعين وأظهرة – سمة أصبحت هوسًا إيطاليًا في العقد الأخير. لذلك، فإن اللعب على الأجنحة في إنتر لا يعتمد على المراوغة بقدر ما يعتمد على التحركات من دون كرة. إذ يُعد الفريق الأقل مراوغة في الدوريات الخمسة الكبرى الموسم الماضي.
ويعتمد إنتر ميلان على التحولات السريعة أكثر من خصومه، مستفيدًا من تمريرات قصيرة وسريعة خلف المدافعين، كما أنه الفريق الوحيد الذي لا يزال يعتمد على ثنائي هجومي حقيقي. ما قام به ماركوس تورام من تمريرة بكعب القدم إلى لاوتارو مارتينيز في هدف الذهاب يُبرز قيمة اللعب بثنائي هجومي.
في مباراة الإياب، حصل قلبي دفاع بايرن، إريك داير وكيم مين جاي، على بطاقتين صفراوين قبل نهاية الشوط الأول، بعد التحامات عنيفة مع تورام، مما تسبب في إخراج كيم لاحقًا. وجود ثنائي هجومي أجبر مدافعي بايرن على الرقابة الفردية والدخول في صراعات مباشرة، وهو ما كلّفهم كثيرًا.
يضم خط وسط إنتر لاعبين مهاريين بحق. هاكان تشالهان أوغلو، صانع ألعاب تقليدي تحوّل إلى محور دفاعي. مخيتاريان، صانع لعب هجومي سابق، يتقن الآن دور لاعب الوسط الأيسر. أما نيكولو باريلا، فرغم أنه الأكثر اجتهادًا من بينهم، إلا أنه الأكثر تقدمًا، دائمًا ما يحاول التحرك خلف المهاجمين، مستفيدًا من أن دفاع الخصوم غالبًا ما يكون غير مكتمل العدد.
الأمر الأكثر إثارة أن إنتر يقوم بتدويرات داخل المباراة لا تُشبه أي فريق أوروبي، باستثناء ربما أتالانتا. قلبا الدفاع على الأطراف يتقدمان كثيرًا، بينما يسقط أحد لاعبي الوسط مكانهما. ومع ذلك، لا يتردد المدافع الآخر في التقدم هو أيضًا، ليتحول الخط الخلفي إلى ثلاثي ممتد على عرض الملعب بلا ترابط!
ورغم هذا، نادرًا ما يخسر إنتر الكرة بطريقة مكشوفة تتيح للخصم شن هجمات مرتدة. الأغرب أن فرانشيسكو أتشيربي، المدافع البالغ 37 عامًا، يقوم أحيانًا بانطلاقات مفاجئة في عمق الملعب ليتمركز كمهاجم وهمي، وقد فعل ذلك مرتين أمام بايرن، مما أربك المدافعين. حتى توماس مولر نفسه بدا متحيرًا من ضرورة تتبع مدافعٍ إلى عمق منطقة جزاءه.
إنتر لم يكن مثاليًا أمام بايرن، وربما كان أكثر شراسة في مواسم ماضية، لكنه يبقى خصمًا لا يُستهان به… خصوصًا لبرشلونة.
إنتر × برشلونة… صراع كلاسيكي بطابع عصري
نصف النهائي ضد برشلونة سيكون ممتعًا ومثيرًا، ليس فقط لأنه إعادة لمواجهة 2010 الشهيرة، حين اضطر برشلونة للسفر بالحافلة إلى ميلانو بسبب بركان أيسلندا، وهناك وجد بيب غوارديولا جوزيه مورينيو “يركن الباص” كما لم يفعل من قبل.
قد يتكرر هذا السيناريو… لكن مع فرق أن إنتر 2010 قدم كرة هجومية ممتازة في الذهاب. بينما برشلونة 2025 فريق أكثر مباشرة، يسعى لضرب الخطوط بسرعة بدلاً من البناء البطيء.
المواجهة ستكون صدامًا بين مدرستين دفاعيتين متطرفتين: برشلونة يدافع متقدمًا جدًا، وإنتر يدور لاعبوه بثقة من الخلف إلى الأمام.
ورغم أن إنتر سيدخل اللقاء بصفته “الحصان الأسود”، إلا أن التاريخ يقول إن الأندية الإيطالية غالبًا ما تزدهر في هذا الدور تحديدًا.